Samstag, 23. August 2008

النبوءة الهرمسية

في المخطوط السادس النص الثامن من مكتبة نجع حمادي الغنوصية تطل علينا النبوءة الهرمسية التي صيغت في القرن الثاني الميلادي، ولو كان أُتيح لكاتبها فرصة التعرف على الأحداث التي مرت على مصر في القرنين الثالث والرابع ما صدق عينية فقد تحقق كل ما ذكره في نبوءته والتي من المؤكد أنها صيغت بعد قراءة جيدة للواقع وهي فترة الصراع بين أنصار الديانة الجديدة الوافدة من فلسطين وأنصار الديانة الوطنية

النص
هرمس: هل تجهل يا أسكليبيوس أن مصر هي صورة السماء ؟
أو بالأحرى هي إسقاط لكل ما هو سماوي على الأرض
وإذا شئت قول الحقيقة فإن أرضنا هي معبد العالم
ومع ذلك وكما ينبغي تبصر الحكماء لكل شئ فينبغي عليك أن تعرف سيأتي ذلك اليوم الذي فيه سيتضح كم كان عديم الجدوى ورع المصريين وخدمة هذا الشعب المفعمة بالتضحية له، ستنحط هنا الذكرى المقدسة للآلهة وتتحول إلى عدم وسيرحل الآلهة أنفسهم من هنا نحو السماوات سيهجرون الأرض المصرية للأبد وهكذا فإن هذا البلد الذي كان عبر قرون طويلة مهدا ودعامة وعمادا ومحرابا للدين الحق سيجرد من الحضور الإلهي ويتيتم ويصبح فارغاً
سيحتل الغرباء أرضها الزراعية ولن يقتصروا على الاستخفاف بالإيمان المقدس وإنما- كم هو مؤلم هذا الشيء- سيصدر مرسوم سيحظر تحت طائلة أقسى العقوبات الالتزام بقواعد الدين والتقوى والعبادة
هذه الأرض الجليلة
مقر المذابح الإلهية ستملأ منذ الآن بالقبور والجثث فقط

يا مصر، يا مصر الحبيبة ! لن يبقى ما يشهد في القرون المقبلة على عباداتك سوى الأساطير والحكايات ولكنها بالرغم من ذلك ستبدو للأجيال مجرد خرافات عادية
ستصمد الآثار المنقوشة من الحجارة وحدها
كآثار وبراهين على أفعالك التقية
آه يا مصر، سيستوطن السكوذي أو الهندوسي
أو واحد آخر شبيه بهما همجي من البلاد المجاورة
آه، ما هذا الذي أقوله عن مصر؟
ولن يتركوا مصر وعندئذ ستترك الآلهة أرض المصريين
هاربة للسماء وستموت هوية المصريين
وإذا بقي بعض السكان مصريون فبلسانهم فقط
وسيصبحون غرباء وكذلك عملهم
سيفضل المرء الظلام عن النور، والموت عن الحياة
ولن ينظر أحد للسماء
آه يا(تحوت)، آه أسكليبيوس، آه يا أمون، لن يبدوا كل شيء مضحك وفقط بل مظهر براق فارغ
صدقيني (يا مصر) إن هذا الجنس البشري سيكون في خطر
الخطر الأخير لأرواحهم
سيسن قانون تفرض معه عقوبة الموت لمن يعترف بالعقل الإلهي، وهكذا سيتم الفصل بين الآلهة والبشر ولن يبقى هنا سوى ملائكة الشر بين البشر لتدفعهم إلى أسوأ الشرور والكفر والحروب والنهب ولكل الأشياء المناقضة لتعاليم الطبيعة
...............
هامش
هرمس: أصل أسم " هرمس " مشتق من الكلمة اليونانية القديمة " هرما" أي الدلائل الحجرية التي كانت تستخدم كعلامات للطريق وكانت تأخذ في بعض الأحيان شكل عضو الذكورة المنتصب ومن هنا جاءت خاصية هرمس لمعرفة الطرق ولهذا كان إله حامي للتجار. هو إله ماهر وماكر ومنها جاءت شتيمة (يا ابن الهرما)- على ما اعتقد - ولهرمس دور مرسال الآلهة، ومن هنا جاء دوره في نقل الرسائل للموتى، في العصر الهليني أعتبر المقابل اليوناني للمعبود المصري " تحوت" وبعد إعادة صياغة كتب تحوت انتشرت في الشرق باسم متون هرمس
هرمس إذن هو المقابل الإغريقي للإله المصري" تحوت " رب الحكمة والكتابة وتجسيد للنظام الكوني
وكان يطلق عليه " تحوت مثلث العظمة" فنقل هذا اللقب لهرمس أيضاً
وتقريباً كل الحضارات ادعت نسبة هرمس لها وتجلى في أسماء عدة
فهو " أنبجهد " في بلاد فارس
وهو أنوخ في التوراة
وهو النبي إدريس في القرءان الكريم كما أكدت على ذلك عدد من المصادر
من الصعب وصف الهرمسية بالديانة فهي أقرب للفلسفة منها للدين رغم اعتمادها في نصوصها على السرد الاسطوري، وقد دون فيما يبدو أول النصوص الهرمسية قبل الميلاد بثلاث قرون أي في نفس القرن الذي ترجمت فيه الإصحاحات الخمسة الأولى من العهد القديم " التوراة" لكنها بلغت قمة تطورها في القرن الثاني والثالث الميلادي بسبب تفاعلها مع الأفلاطونية الحديثة التي تبلورت في الإسكندرية
قال كيريل السكندري مٌلَخصا رؤية الهرمسية عن الله
الله عند الهرمسية هو الأب الأزلي الذي أبدع ذاته الإلهية
العقل الخالص (نوس) خالق الأبدية المتجسدة في الابن الأول له الكلمة لوجوس وهو بمثابة الألوهة التي تتوسط الذات الإلهية والعالم، بدون أن يكون لها وجود مستقل
أسكلبيوس: هو إله الطب في المعتقد اليوناني القديم وهو المقابل للإله المصري أمحتب

Sonntag, 3. August 2008

شكاوى الفلاح الفصيح


بعد الانهيار الدرامي للدولة القديمة عام 2268 قبل الميلاد دخلت مصر مرحلة يطلق عليها علماء المصريات " العصر الانتقالي الأول" تفتت فيه المركزية واستقل أمراء الأقاليم بالحكم، وفي الفترة ما بين 2134 إلى 2040 قبل الميلاد أي عصر الأسرة التاسعة والعاشرة كانت مصر حبلى بغدٍ جديد ومقدماته تمثلت حصول الفلاح على المزيد من الحرية وبفضل الضغط الشعبي تم الاعتراف بعبادة أوزير ومقرطة العالم الأخر
أهم إنجازات المصريين في هذا العصر تحررهم النسبي من القوالب الفنية الجامدة التي سادت عصر الدولة القديمة الصارم في مركزيته فتزين مقابر هذه الفترة بالرسوم التي تعكس نزق الحياة وخصوبتها
من هذا العصر وصلتنا كتابات عديدة تعكس المخاض الذي عاشته البلاد مثل تعاليم " إيبور" وتعاليم" مري كا رع " وشكاوي الفلاح الذي وصلنا مكتوباً بالخط الهيراطيقي على أربع برديات، ثلاث منها محفوظة في المتحف المصري ببرلين تحت الأرقام: 3032، 3035، 10499، والرابعة محفوظة في المتحف البريطاني تحت رقم 1027. وقد ساعدنا تكرار النسخ في الحصول على النص شبه كامل. زمن كتابة النص يرجع إلى عصر الدولة الوسطى بعد أن تم إعادة توحيد البلاد تدريجياً بقيادة الصعيد، أما زمن الحكاية فيعود إلى نهاية العصر الانتقالي الأول
النص معروف باسم " شكاوي الفلاح الفصيح" أما في الأصل فهو بدون عنوان. رغم أنه لا دليل على إن كاتب النص هو أحد الفلاحين وعلينا ألا نقع في خطأ افتراض أن هذه الشكاوى قد نظمها أحد الفلاحين المصريين بل هي من صياغة أحد الكتبة بهدف تملق الحاكم
وقد سبق نشر النص في جريدة أخبار الادب القاهرية وهنا أعيد نشرة مع بعض التحسينات
لابد هنا الإشارة للفيلم القصير الذي انتجته مؤسسة السينما معتمداً على النص الذي بين أيدينا وقام بتشخيص دور الفلاح الفنان احمد مرعي
والأن نعود لنصنا
شخوص الحكاية
خون إنبو: فلاح من وادي النطرون، معنى الاسم أنوبيس يحمي
مريت: زوجة الفلاح، معنى اسمعها جميلة
نمتي نخت : أبن أحد الموظفين ويدعى إسري ويعمل لدى رئيس البلاط الملكي
مرو بن رنسي: رئيس البلاط الملكي
الملك: نب كاو رع، من ملوك الأسرة العاشرة (من 2134 إلى 2040)

جغرافيا الحكاية
سخت حمات: من الممكن ترجمتها إلى " حقل الملح" وهي وادي النطرون اليوم
بر ففي : يعتقد أنها تقع بالقرب من البدرشين وهي في النص تقع شمال مدنيت، وإن صح ذلك فهي تقع شمال الإقليم الثاني والعشرين من أقاليم الصعيد
نني نسو: وهي عاصمة مصر آنذاك وكان يطلق على العاصمة اسم مصر القديم " كمت" (في القبطية : كمى)، وهو تقليد مازلنا نحافظ عليه بتسمية العاصمة مصر

بطل حكايتنا " خون إنبو" لاحظ إن مخزون الحبوب يكاد ينفذ في بيته فحمل على حماره بعض من منتجات قريته لمقايضتها بالطعام في العاصمة إهناسيا في الطريق يتعرض لمكيدة " نمتي نخت " ويسرق حماره فيذهب الفلاح إلى رئيس الموظف وهو رئيس بلاط الملك " مرو بن رنسي " ويشكو له الظلم الذي وقع عليه وينظم مرافعته في قالب شعري مطالباً إياه تحقيق العدل ويصل الأمر للملك " نب كاو رع " فيأمر بتجاهل الفلاح حتى يكمل مرافعته وكتابتها وفي نفس الوقت يأمر بتزويد أسرة الفلاح بالطعام حتى يعود

إلى هنا تنتهي المقدمة التمثيلية (الحبكة) الذي تخدم الهدف الأساسي للنص وهو المرافعات التسع للفلاح التي تتأرجح بين المديح والهجاء ويتجاوز فيها الفلاح سقف مأساته ويتناول كل التجاوزات في المجتمع لكن بالطبع دون التعرض لأسس النظام نفسه. وبعد إلقاء المرافعة التاسعة يأس الفلاح من استعادة حقه وضاق بصمت رئيس البلاط فقرر الذهاب إلى أنوبيس الإله الحامي للموتى ليشكوه فيخرج الرئيس من صمته ويحقق في قضيته ويعاقب الجاني والبعض يفسر خروج رئيس البلاط عن صمته أن يكون الفلاح قد نوى الانتحار لقابلة أنوبيس
النص

كان هناك رجل يدعى " خون إنبو" فلاح من " وادي النطرون" وكان له زوجة تدعى مريت
قال الفلاح لزوجته: شوفي، سوف أنزل لمصر لإحضار الطعام لأولادي، اذهبي وزني لي الشعير الذي في الجرن من فائض شعير أمس
[1] وقامت بوزن 26 " حكات"[2] شعير
قال الفلاح لزوجته: شوفي، هذه عشرون كيلة شعير طعامك وطعام أولادك، واعملي لي من الستة كيلات خبز وبيرة
[3] لكل يوم لأتعيش بهوسافر الفلاح إلى "كمت" بعد أن حمل حمارة بسعف النخيل وملح النترون وبعض ألواح الخشب ..(وعدد من النباتات الغير معروفة لنا) وكثير من المنتجات الطيبة من " وادي النطرون"، وارتحل الفلاح جنوباً إلى مدينة " نني نسو" (إهناسيا) ووصل إلى حي " بر فيفي" شمال مدينة " مدنيت"، ووجد هناك رجلا واقفا على ضفة النهر يدعى " نمتي نخت"[4] وهو ابنا لرجل يدعى إسري ويعمل موظفاً لدى رئيس البلاط العظيم " رنسي بن مرو
قال تحوتي نخت هذا، عندما رأى حمير الفلاح التي اشتهاها قلبه: " آه لو كانت لي هيئة إله فعالة
[5] لكنت سلبت أشياء الفلاح"
وكان بيت " نمتي نخت" يقع بجوار الطريق الذي كان ضيقاً وليس اعرض من عرض مقطع قماش. ناحية تنحدر إلى الماء وفي الناحية الأخرى يوجد حقل شعير
قال نمتي نخت لخادمه: اذهب واحضر لي بسرعة ثوباً من بيتي !، واحضر له سريعاً وفرده على الطريق بحيث لامس طرف الماء والطرف الآخر لامس حقل الشعيروجاء الفلاح على الطريق العام.
[6] ، لكن نمتي نخت قال: خد بالك يا فلاح، لا تخطو على ثوبي
قال الفلاح: سوف أفعل ما تريد فإن الحق طريقي. وصعد الفلاح للأعلى
فقال نمتي نخت: أيكون حقلي طريقاً لك؟
قال الفلاح: كان طريقي مستقيم، حافة النهر ضيقة وطريقنا أسفل حقلك وقد سدت الطريق بثوبك، ألا تريد أن تدعنا نمر على الطريق؟
وما إن قال الفلاح ذلك وإذا بأحد الحمير يملأ فمه بقطمة شعير
قال نمتي نخت: سوف أصادر حمارك الآن يا فلاح لأنه أكل من شعيري وعليه أن يعمل في دراسة الشعير لأنه أجرم
قال الفلاح: كانت طريقي مستقيمة ولكن عندما تغلق ناحية كان علي أن أسوق حماري للناحية الأخرى لأن الأولى أغلقت، وتريد أن تصادره لأنه ملأ فمه بحشة شعير، أنا أعرف سيد هذه الناحية، هي تخص رئيس البلاط العظيم " رنسي بن مرو" وهو يتصدى لكل سارق في كل هذه البلاد، هل أُسرق في منطقته؟
قال نمتي نخت: أليس هذا هو المثل الذي يقوله الناس " بسبب سيده يذكر المرء الاسم الخايب"
[7
أنا هو الذي يتكلم معك- رئيس البلاط- الذي ذكرته
وهنا أخذ غصن أخضر وراح يضربه على كل أعضائه وأخذ الحمار وساقه إلى ضيعته وبكي الفلاح كثيراً لأن ما حدث له كان سيئاً للغاية
قال نمتي نخت: أخفض صوتك يا فلاح، أنت في حضرة سيد الصمت!
[8
قال الفلاح: تضربني، وتسرق ممتلكاتي وتصادر شكوتي من فمي،
[9 يا سيد الصمت، أعد لي أشيائي ولن أشكو ظلماً![10
وقضى الفلاح مدة عشرة أيام في التضرع لنمتي نخت الذي لم يعطه آذان صاغية
وذهب الفلاح جنوباً إلى " نني نسو" لعرض هذه الأحداث على رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو ووجده يتأهب للخروج من باب بيته متوجهاً إلى قاربه
قال الفلاح: ليتك تسمح بأن أحكي لك عن حادثة، سيكون من المناسب أن ترسل إلي خادمك الأمين
الذي ترسله للأمور المهمةوعليه ترك رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو خادمه الأمين يذهب إليه وأعاده الفلاح له بتقرير عن كل ما حدث ثم حكى رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو بما فعله تحوتي نخت لمجلس موظفيه، الذين كانوا في صفه
قالوا له: يحتمل أن يكون هذا الفلاح قد جاء لآخر من ناحيته. أنظر، تصرفك مع فلاحينك الذين يجيئون هنا بخصوص آخرين من نواحيهم. أنظر، هل الموضوع هو عقاب نمتي نخت من أجل حفنة نترون وحفنة ملح؟ إذا أمر بردها سيردها. وصمت رئيس البلاط، فلم يجب الموظفين ولم يجب الفلاح

المرافعة الأولى

ثم جاء الفلاح ليشكو لرئيس البلاط، قال
يا رئيس البلاط، سيدي، عظيم العظماء ورئيس الجميع
عندما تبحر في بحيرة الحق فلتشرع سفينتك برياح ملائمة
ولا يتمزق لك شراع ولا تضل سفينتك ولا يحدث مكروه لساريتك ولا تتكسر عوارض ساريتك
[11
ولا تغرق ولا تلمس القاع ولا يحتويك التيار ولا تجرب شر النهر ولا ترى وجهاً مخيفاً[12
ولتأتي إليك الأسماك الوديعة وتصطاد طائر سمين
لأنك أب اليتيم وأخ المطلقة وساتر من لا أم له
اسمح لي أن أعلي أسمك في هذه الأرض فوق كل قانون جميل!
[13
أيها الرئيس الخالي من الجشع، أيها العظيم المترفع عن الصغائر
أنت الذي يقاوم الجشع ويقيم العدل
الذي يأتي لصيحتي التي يرددها فمي
أنا ذا أتكلم، فاسمع: أقم العدل

أيها الممدوح والذي يمدحه الممدوحين
ارفع المعناة عني! فأنا مثقل بالهموم وبسببها أنا ضعيف
تفحصني، وانظر، أنا في بؤس

" قال الفلاح هذه المرافعة وكان ذلك في عصر ملك الوجة البحري والقبلي نب كاو رع، ومثل رئيس البلاط رنسي بن مرو أمام جلالته وقال: مولاي، لقد وجدت واحداً من هؤلاء الفلاحين الذي بحق يحسن القول. أشيائه سُرقت من قبل أحد رجالي الذي يعمل تحت إمرتي، أنظر لقد جاء إلي يشكو ذلك
قال جلالته: إذا كنت تريد أن تراني بخير فأبقيه هنا بدون الرد على ما يقوله لكي يُبقي على حديثه
ولكي يواصل حديثه عليك أن تصمت ولتأتينا كلمته مكتوبة لكي نسمعها، لكن اهتم بمتطلبات حياة زوجته وأولاده
أنظر، يأتي الواحد من هؤلاء الفلاحين إلى هنا عندما يكون منزله فاضي على الأرض، واهتم بمتطلبات حياة الفلاح نفسه، يجب أن تمده بالطعام بدون أن يعرف انك الذي تعطيه
وأمر بعشرة أرغفة وإنائين من البيرة يومياً، وقد أعطاها رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو لتابعه وهذا أعطاها له (للفلاح). وأرسل رئيس البلاط رنسي بن مرو إلى حاكم وادي النطرون من أجل تدبير الطعام لزوجة هذا الفلاح بمقدار ثلاث كيلات من الشعير يومياً

المرافعة الثانية

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الثانية
قال: يا رئيس البلاط العظيم
سيدي، يا كبير الكبراء، يا أغنى الأغنياء
الكبير بين كبرائه، والغني بين أغنيائه
يا دفة السماء
يا سارية الأرض وخيط المطمار
أيتها الدفة، لا تسقطي
أيتها السارية، لا تميلي
يا خيط المطمار، لا تهتز
هل يأخذ السيد الكبير شيئاً من لا سيد له ويسرق العزل؟
كل ما تحتاجه موجود في بيتك، قدح من البيرة وثلاث أرغفة، والفتات التي توزعها تشبع من يسألونك
من يموت، يموت مع خدمه سويا
أتريد أن تكون من أهل الأبدية؟
أليس العار أن الميزان مائل
والمطمار مهتز
ومقيم العدل منحرف
أنظر هاهو العدل يرزح تحت ثقلك
مشرد من مكانه
فالمسئولون يتسببون في الويلات
وما يجب حسابه ينحى جانباً
والمحققون يقتسمون المسروقات
أي أن من عليه وضع الأمر في نصابه يحرفه
ومن عليه إعطاء الهواء(النفس) على الأرض يسلب الأنفاس
ومن يقوم بالقسمة سارق
ومن عليه مكافحة الفقر يزيده والبلد بلا حول تغرق في بحره
ومن عليه محاربة البؤس يتسبب في الكوارث

قال رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو: هل هذه الأشياء التي تخصك أحب لك من القبض عليك من قبل خدمي؟
[14
قال الفلاح: من يكيل مخزون القمح يختلسه لنفسه، والذي يكيل للآخر يسرقه
ومن عليه الحكم بالقانون يقود عملية النصب، من يقاوم الشر إذن؟
من عليه مكافحة البؤس يفعل العكس
ومن عليه الحزم يتواطئ
ومن عليه إنصاف الاخرين يظلم
متى تشعر بقبح العفو عن المجرم
ضع العمل الطيب في مكان الأمس وفقاً للمبدأ: كافئ من يصنع الخير لكي يصنع الخير وهذا معناه شكر المرء على ما يفعله
التريث قبل الاندفاع
وأن يكون لصاحب العمل عمل
وأيضاً لفت النظر إلى التخريب
خسائر في كرومك
نقص في دواجنك
تصحر في طيورك البرية
من يرى صار اعمى
من يسمع اصبح اصما
ومن يقود منقاد
أه يا سيدي، متى تعود لصوابك
تصرف كما يتوقع منك
أنظر، أنت شديد وقوي، لكن ذراعك متراخ وقلبك جشع
والرخاوة تمكنت منك

كيف يشكو الفقير الذي دمرته؟
أنت تشبه رسول من الإله سوبك
ولا تتجاسرعلى الفعل المشين بسبب سيدة الوباء
ما لا يجوز لها لا يجوز ضدها وضك
عندما تفعل لا تكن رخوا
للفقير هناك المعتدي الغاشم
وللمعدم يكمن لص متمرس
سرقة ممتلكات رجل فقير عمل مشين
أينبغى على عدم الصعود
ولكنك شبعت من خبزك وشربت بيرتك
أنت أغنى من هذه الاشياء
عندما ينظر الملاح للأمام فأنه يوجه السفينة حيثما يشاء
عندما يجلس الملك في قصره
وانت بيدك المجاف
سوف يحدث مكروه في منطقتك
السائل يحتاج لصبر طويل
والمعطى يجد صعوبة
ما هذا الساكن هناك
(قول مأثور: ما هذا الساكن هناك في العالم الآخر)
هكذا يقال
كن ملجأ ولتكن ضفتك آمنة
أنظر، ها هي مدينتك مرتع للتماسيح
لا تنطق الكذب، أحفظ الموظفين منه
سلة من البدناء والمتصنتين ومضفر بالأكاذيب
يا من تعرف هموم الناس
ألا تعرف قضيتي؟
يا من يكافح القحط
أنظر، ها أنا على الطريق بدون سفينة
يا من أنقذت البحار الغريق
انقذني عندما تدرك أن الوقت مناسب

المرافعة الثالثة

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الثانية
قال: يا رئيس
أنت رع
سيد السماء وسيد حاشيتك
ارزاق الناس منك
فأنت كالفيضان، أنت إله النيل حعبي
الذي يخضر المراعي والذي يحي الصحراء
أوقف السارق وأحم الفقير
فلا تكن كالطوفان ضد السائل
أحذر اقتراب الأبدية
وتمنى لنفسك الثبات
منى النفس تحقيق العدل
( حرفيا: هواء الأنف هو إقامة العدل)
عاقب من يستحق العقاب ولن يعادلك أحد في عدلك
هل يختل الميزان
هل يميل قائم الميزان
وهل تحوت متراخ
عندماتصنع الظلم فلتنصب نفسك رفيقا لؤلاء الثلاثة عندما يكونون في تراخ تراخ أنت أيضا
لا ترد الخير بالشر ولا تحل احدهم محل الآخر
............ ....
أن توازن الأرض هو تحقيق العدل
فلا تنطق بالكذب لأنك عظيم
لا تكن خفيفا فأنت ذو ثقل
لا تقل الكذب لأنك الميزان
لا تخطئ لأنك الصواب
أنظر، أنت والميزان واحد، يميل بميلك
لا تنحرف عن الطريق المستقيم
عندما تقود الدفة وإلا أنقطع حبل الدفة
لا تسرف
عاقب السارق ، فهذا الجشع ليس عظيما

وليكن لسانك المؤشر المستقيم للميزان
والمثقال قلبك
وشفتاك ذراعي كفتاه
عندما تتجاهل المعتدي من يقاوم الشر إذن؟

أنظر، ها أنت ضعيف امام هذا الجشع، لكنه يفسد الصداقة
أنظر، أنت صقر البشر، الذي يفترس الطيور الضعيفة
أنظر، أنت طباخ يذبح أصدقائه ومع هذا فهو خالي من التشوهات
أنظر، أهتم بذلك
لا شيء سيء بالنسبة لي فأنك الخاسر أمام التمساح المفترس

الأمان منعدم في البلاد
أيها السامع لماذا لا تنصت
تٌرى... لماذا لا تسمع
منذ الأعتداء علي والتمساح ينتصر
متى تتعلم من ذلك؟
على المرء قول الحقيقة ورمي الأكذوبة على الارض
لا تجهز نفسك للنهار قبل مجيئه لأن المرء لا يعلم ما يحمله من سوء
فال الفلاح هذه الكلمات لرئيس البلط العظيم رنسي بن مرو وهو على باب قصره، فأرسل أثنين من خدمه بالسياط وقاموا بضرب الفلاح على كل أعضاء جسمه
هنا قال الفلاح
ابن مرو جُـن
أصم عما يسمعه
أعمى لا يرى
لا يذكر ما يذكر
أنك مدينة بلا حاكم
جماعة بلا ريس
سفينة بلا ربان
فيلق بلا قائد
أنظر، ها انت رجل شرطة لص
حاكم مرتشي
محافظ أصبح مثل أعلى للصوص كان عليه ردع السرقة

المرافعة الرابعة

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الرابعة وقابله وهو يهم بالخروج من معبد الإله القابع على بحيرته
قال: أيها المكافأ، كافأك الرب" الذي على بحيرته" وأنت خارج من بيته
الخير ضاع، ولا أحد يعتز بطرح الكذب أرضاً
هل جاءت سفينة إلى هنا؟
بأي سيء يعبر المرء النهرعن أقامة الاحتفالات؟
أنعبر النهر مشياً؟ هل هذا جميل؟
من ينام لمنتصف النهار؟
اضطربت الحركةفي الليل واضطرب التحول في النهار
وسمح للرجل أن يسعى من أجل حقه الجميل
أنظر، ينبغي على المرء أن يقول باستمرار أن الرخاوة غمرتك
بائس هو حال الفقير، الذي خربت بيته
أنظر، أنت صياد فقد شجاعته، يتراجع عما نواه
الذي يصطاد فرس النهر بالحربة
الذي يطلق السهام على الثيران البرية
ويصطاد السمك بالسيخ ويمسك بالطيور
غير متعجل لا يسرع في الكلام وليس خفيفا من يفكر بنضج
كن متسامحا، وأظهر الحقيقة، أمتحن اختيارك، الذي أبقاك صامتا
يحضر المرء الشيء الذي تراه العينين ليسعد به القلب
لا تكن متكبر بسبب قوتك حتى لا تصل إلى الشر
ومن اجرم في حقي أطلق أثنين
الأكل يؤكل والممتحن يجاوب والنائم يرى حلما
وقاضي يعاقي هو مثل أعلى للمجرم
يا مهرج، انظر لقد أمسكت بك
يا جاهل، أنظر، أنت تمتحن
يا مرتاح الضمير، أنت مطلوب
أيها القائد، لا تسمح بالموت
أيها المدمر، لا تسمح بالدماء
أيها الظل لا تصبح ضوء
أيها الهارب لا تسمح بالسرقة
لرابع مرة أشكو إليك.. إلى متى سأبقى؟؟

المرافعة الخامسة

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الخامسة
قال: يا رئيس البلاط العظيم، يا سيدي
ان صائد السمك بالحربة يذبح اسماك أيو
وصائد السمك بالسيخ يقتل سمك أبوبو
وصائد السمك بالشباك يصتاد سمك بكرو
صيادي السمك يصحرون النهر
لا تسلب الصغير ممتلكاته، الضعيف الذي تعرفه
أنفاس الفقير ممتلكاته
ومن يسلبها يسد أنفه- يخنقه
لقد عينت لتسمع الشكوى، ولكي تفصل بالحق بين المتخاصمين
ولكي تطارد اللصوص
لكن أنظر، ما تفعل
أنت ملاذ اللص
المرء يثق بك لتكون سداً للفقير يحمية من الغرق
لكن ها أنت أكثر من البحر الجارف
" من يبحر مع الكذب لن يصل لليابسة"

المرافعة السادسة

وجاء الفلاح ليشكو للمرة السادسة
قال: يا رئيس البلاط العظيم، يا سيدي
من يقضي على الغش يقيم العدالة
وكل من يقيم كل ما هو جميل يبيد الشر
وبلك يكون
كالشبع للجائع والرداء للعريان
والسماء الصافية بعد العاصفة الشديدة
جيث الدفء للبردانين
هو النار التي تنضج الطعام
كما هو الماء الذي يطفئ الظمأ
أنظر حولك
تجد فاعل الخير محض لص

حارس الأمن مشاغب
الوديع معذب
والنصاب يتفه العدل
أفعل هذا
لو حققت قدر من النجاح اعطي لخليفتك أيضا
وسيكون ثرثار بدون استقامة
شكاء يغري بالأبتعاد عنه
المحقق يتنازل قيل أن يعرف المرء ما يضمره القلب
لا تكن ثقيل الحركة، عندما توجه الاتهام وتحكم فيه
من رفع الميزان
أنظر، العمود انكسر.... وجاء السيل
عندما وترسو السفن وتفرغ حمولتها
يكون لك نصف الحمولة في كل ميناء
المرء يعلم أنك متعلم وماهر وكامل لكن ليس للسرقة
يجب أن تكن مثلا أعلى للناس
لكن المحيط حولك كله فاسد
كان عليك أن تكون مستقيما أمام كل الناس
فإذا بك شيخ منصر هذه البلاد
البستاني الشرير الذي يروي حديقته بالخطيئة
ستثمر بالاكاذيب وتغمر التعاسة حديقته

المرافعة السابعة

وجاء الفلاح إليه ليشكو للمرة السابعة
رئيس البلاط العظيم، سيدي
أنت الدفة لكل البلاد وبأمرها تبحر
أنت صديق تحوت، الذي يحكم بلا تحيز
سيدي، أسمح ان لي أن يحدثك رجل في قضيته
لا تكن مستاء، فهذا لا يليق بك
لا تمعن التفكير فيما لم يحدث بعد
ولا تبتهج بما لم يحدث بعد
الحليم يمد الحبال بالمحبة ويحل الأمر قبل أن يتعرف المرء على أفكاره
من يصطدم بالقانون ينفي طهارة اليد
لا يعيش الفقير المسروق بدون تحية الحقيقة
جوفي ممتلئ وقلبي مثقل
يبرز ما في جوفي تبعا لحالة الوضع لذا افتح فمي بالكلام
لقد فتحت سدي واخرجت مائي وأفرغت ما كان بجوفي وغسلت ملابسي
كلمتي أنجزت تعاستي أمامك، ماذا تنوي أن تفعل؟
خمودك ينتقم منك، جشعك أغباك، وطمعك يخلق لك الاعداء
أتريد أن تجد فلاح أخر مثلي؟؟
لن تجد سوى فروة نتنة تقف تشحذ على باب قصرك
لا يوجد صامت لا تحفزة حالة الصمت إلى الكلام، ولا يوجد نائم إلا وأيقظته ولن ينكسر وجدان حركته حالتك ولن يغلق الفم الذي فتح ولن يكون جاهل أنت علمته
هؤلاء بعض من ممارسي الشر
هؤلاء الموظفون الذين يمكلكون كل شيء طيب
أنهم ماهرون في النصب
الذين يعيدون تركيب الرأس بعد قطعها

المرافعة الثامنة

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الثامنة
قال: يا رئيس البلاط، سيدي
المرء يسقط بسبب الجشع
والطامع لا نجاح له
بلى، هو ينجح في الجشع
قلبك جشع، وهذا لا يليق بك
أنت تسرق وهذا غير مفيد
وإذا دعيت رجلا للدخول من أجل حقه فهذا عدل
حاجتك في منزلك، وبطنك ممتلئة والقمح ينتفخ ويعلوا ويفيض ويسقط على الأرض
حرامية... لصوص.... قطاع طرق... هم المسئولون، الذين عينوا للوقوف ضد الظلم ، لكنهم ملجأ للذين لا حياء لهم
لا يسمح الخوف منك أن تشكو لك، ألا تعرف قلبي
الصامت يولي وجهه
ولكن لا يخاف من حمل شكواه من أن يلتفت إليه

أملاكك الزراعية في الحقول، مرتبك عزبة، إرادك في مخزن الغلال
الموظفون يعطوك وأنت تأخذ
ألست حقا محض لص ؟
المرء يحضر إليك بينما العصابة عندك تقتسمون الأملاك الزراعية معا
حقق العدل لرب العدالة، الذي فعلا عدله عدلا
أنت القلم، ورقة بردي، لوح كتابة
احفظ نفسك من العمل الخبيث

كن طيبا
أيها الخير أنت طيب
أيها الخير أنت طيب حقا
لكن العدالة تدوم للأبد، فهي ترتفع مع مقيمها عاليا في مملكة الغرب الجميل(العالم الآخر) وسيدفن معها
ولا يمحى أسمه من على الأرض وسيذكره الناس بالخير
وهذا هو أساس كلمة الرب
كن ميزان لا يميل
كن ميزان لا يختل
إذا جئت أنا وغيري فلا ينبغي الأجابة عليه بلغة الصمت
أنت لا تعطني أي جزاء أمام الكلمات الجميلة التي تخرج من فم رع
قل الحقيقة وأقم العدل فهو عظيم وباقي
ستجزيك أمانتها بسعادة غامرة
عندما يهتز ميزان اليد وكفتاه اللتان تزنان الأشياء
لن تكون هناك نتيجة دقيقة
لا شر يصل يصل للهدف
والجميع سيواريهم التراب

المرافعة التاسعة

وجاء الفلاح ليشكو للمرة التاسعة
قال: يا مدير البيت العظيم، يا سيدي
ميزان الناس لسانها
وميزان اليد يختبر الباقي
انزل العقاب على من يستحق العقاب
فيتساوى العدل معك
عندما يرحل الكذب ستعود الحقيقةمرة أخرى إلى مكانتها
عندما تمر الأكذوبة تضل الحقيقة طريقها ولا تستطيع عبور النهر
من يغتني بالغش لا أولاد له ولا وارثين له على الأرض
من يبحر مع الكذب لا يصل إلى اليابسة
وهذه السفينة لن تستطيع أن ترسو في ميناء
لا تكن ثقيلا ولا خفيفا
لا تكن سريعا ولا بطيئا
لا تصرخ
لا تستجيب للقلب
لا تخفي وجهك عن ما تراه
لا تعمي عينيك عن ما تراه
لا تصدم من جاءك بل حاور
لا تكن متراخيا واعلن كلمتك
وافعل عندما تريد
لا تستجيب لكل إمريء فالمرء يعى في قضيته
لا أمس للمتراخ
لا أصدقاء للأصم عن الحقيقة
لا يوم سعيد للجشع
الشاكي اصبح حزين
والحزين بائس
والعدو إلى قتيل
أنظر، ها أنا أشكو إليك ولكنك لا تسمع
سأذهب وأشكوك إلى أنوبيس

وهنا يؤسل رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو أثنين من خدمه لإعادته ÷ وخاف الفلاح فقد اعتقد أنهم خلفة من أجل عقابه ثانية على كلمته
هنا قال الفلاح: أمل العطشى الماء
ورضعة الرضيع اللبن
وما أود مجيئه لا يأتي
ها هو الموت يأتي بطيئا
هنا قال رئيس البلاط رنسي بن مرو
لا تخف يا فلاح، أنظر عليك بالبقاء
واقسم الفلاح القسم: اقسم أني أريد الاكل من خبزك والشرب من بيرتك إلى الأابد
قال مدير البيت العظيم رنسي بن مرو: أبق هنا حتى تسمع مرافعتك
وأرسل رئيس البلط العظيم رنسي بن مرو لجلالة ملك الوجه البحري والصعيد " نب كاو رع" وكان ذلك سار لقلب جلالته أكثر من أشياء أخرى في كل البلاد
هنا قال جلالته: قرر بنفسك يا بن مرو
وعليه أرسل مدير البيت العظيم رنسي بن مرو اثنين من خدمه لاحضاره (المسئول المغتصب تحوتي نخت)
الجزء الأخير من النص مفقود ولكن نفهم من بعض الكلمات أنه تم حصر عهدة تحوتي نخت ومصادرة أمواله لصالح الفلاح

[1] المقصود من شعير الموسم الماضي
[2] حكات: مكيال مصري أقرب للكيلة
[3] كانت البيرة المصرية تصنع بنقع خبز الشعير في الماء مع إضافة البلح للتحلية وتترك ليخمر ثم يصفى
[4] من الممكن قراءة الاسم تحوتي نخت
[5] المقصود أن يكون له قدرة سحرية
[6] حرفياً: طريق كل الناس
[7] بحنكة حرف المؤلف المثل الشعبي ليبدو وكأن الموظف يهزأ من حيلة الفلاح يإدعائه بمعرفة ذي النفوذ، فالمثل الشعبي القديم يقول:
" يذكر الاسم بسبب شخصيته" أي بسبب صاحب الاسم ومركزه
[8] المقصود بسيد الصمت هو أوزير ، وكانت اهناسيا من الأماكن الهامة للعبادته
[9] " تضربني وتحرم علي البكا"
[10] الجملة تتسع لمعنيين الأول تضرع لأوزير والثاني السخرية من الموظف لمصادرة حق الصراخ ضد الظلم
[11] حرفياً: ولا تتقطع لك " سجرجر" وهي الألواح العرضية المثبتة في الساري لدعم الشراع
[12] متشفش وحش
[13] حرفياً: دعني أكتب أسمك في مواجهة كل قانون والمعنى أن أسمه رمزاً للعدل ويفوق كل قانون
[14] من الممكن ترجمة الجملة : أليس معنى ما تضمره في قلبك أن يقبض عليك خدمي؟

Freitag, 1. August 2008

وصف الاحوال في مدينة العمال ووقائع أول اضراب في تاريخ العمل المأجور



من نص مصري قديم كٌتب في العصر الإنتقالي الأول من عام 2154 إلى 2040 ق.م تقريباً كتب من قبل أحد كبار الموظفين يدعى " خيتي بن دواوف" لأبنه "بيبي " الذي يعد نفسه لمهنة الكاتب وفيها ينصحه بأهمية مهنة الكاتب (الميري) بالمقارنة بمهن العمل اليدوي: فعامل المسابك يخشن جلده وتلازمه رائحة نتنه، وعامل البناء يتقوس ظهرة من العمل الشاق وصانع الطوب من طين النيل يحي حياة متسخة كحياة الخنازير وعامل النسيج حبيس عالمه المظلم
والإسكافي لا يجد ما يمضغ سوى الجلد ... إلخ
النص وإن قصد منه تحفيز الأبن للدراسة حتى يهنأ بحياة عملية رفيعة لكنه يعكس وجهة نظر شرائح المجتمع العليا الرافضة للعمل اليدوي وتحقيرهم له! لكن ورغم ذلك تمتع العمال بهامش أكبر مما تتمتع به الفلاحون، كيف؟

كان يجلس على قمة الهرم الاجتماعي في مصر القديمة الملك ابن إله الشمس رع الجالس على عرش حورس وكان جسد الهرم عبارة عن شبكة معقدة من الموظفين والكهنة والكتبة تمثل العمود الفقري لجهاز الدولةوفي قاعدة الهرم مئات من المشتركات القروية، وهي وحدات مؤسسة على الاكتفاء الذاتي بالجمع بين فلاحة الأرض والرعي والصيد والعمل الحرفي اليدوي، ذات مسحة خفيفة من التمايز الاجتماعي
كانت هذه المشتركات القروية الأساس الاقتصادي لنمط الإنتاج السائد في مصر القديمة فمن هذه الوحدات الإنتاجية تحصل الدولة على الفائض من الإنتاج في صورة ضريبة سنوية تستنزف بشكل كامل في سد نفقات الدولة من البلاط إلى تجمعات العمال في المقابر الملكية مروراً بجنود الجيش والجهاز البيروقراطي الضخم وكهنة المعابد

وقد تم قولبة وهيكلة جميع أجهزة الدولة مثل الجيش والشرطة وطوائف العمال والمعابد والجهاز البيروقراطي وفقا لهذا النموذج وتقوم الدولة المركزية " المشترك الأعلى " بمهمة التنسيق بين كل هذه المشتركات وحمايتها وتنظيم الري وتنظيم توزيع الفائض
تمتع أفراد المشتركات القروية بهامش معقول من الحريات الشخصية الدينية والاجتماعية والملكية الخاصة، لكن المشتركات نفسها كانت في حالة تبعية مطلقة للمشترك الأعلى أي الدولة (العبودية المعممة) والتي تمثلت إلى جانب دفع الضريبة في مد الدولة المركزية بالجنود وبالعمالة اللازمة لمشروعات الري والعمل في المناجم وبناء المعابد والمقابر

برغم مكانة المشترك في قاع قاعدة الهرم الطبقي في مصر فقد كانت بالنسبة للفلاح هيكلاً اقتصادياً يوفر له الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية إلى جانب الحماية ورغم ذلك كان التطلع يتزايد للخروج من المشترك والالتحاق بالخدمة في المشتركات النوعية الأعلى في السلم الاجتماعي مثل الجيش والبوليس أو الجهاز الحكومي أو المؤسسات الكهنوتية أو على أقل تقدير الانضمام للتجمعات العمالية " الميري" والتي كانت الدولة تتكفل بسكناهم وأعاشتهم وبقدر من التدليل بالقياس للأحوال المعيشية الخشنة في المشتركات القروية

هذا الوضع الخاص للتجمعات العمالية فرضته عوامل عدة أهمها عزلتها في الصحراء بجوار مكان العمل و بعدها عن باقي المشتركات إلى جانب ضمان انتظام سير العمل من خلال تنظيم ورقابة مباشرين، وسبب هام آخر تمثل في قدسية العمل ذاته فهم يتولون بناء معابد الآلهة ومعابد الملوك الجنائزية ومقابرهم وكانت تخضع وبشكل مباشر لرعاية البلاط الملكي
توزع العمال بشكل عام على أربع مجموعات
الأولى وهي التي تشارك الفلاحين الحياة في المشترك القروي ولم تختلف كثيرا مفردات حياتهم المعيشية عما هو سائد في المشترك
والمجموعة الثانية: وهي مجموعات العمال التابعة مباشرة لدوائر الحكم سواء البلاط الملكي أو أمراء الأقاليم، أو العمال الذين يخدمون في المعبد
المجموعة الثالثة تضم عمال المناجم والمحاجر
أما المجموعة الأخيرة (موضوع المقال) كانت أعلى شرائع العمال من حيث المكانة والتنظيم، لكونها تحت الرعاية المباشرة لعمدة المكان والذي يعتبر ممثل شخصي للملك ولم تشهد أي فئة من فئات المجتمع الدنيا نصيب من التدليل الذي تمتع به مجتمع العمال والفنانين في غرب طيبة رغم دورهم الهامشي في العملية الإنتاجية

لدرجة أن الملك رمسيس الثاني خصهم بالمديح في خطاب مطول دون بالخط الهيروغليفي في العام الثامن من حكمه على جدارية يبلغ طولها ما يزيد عن مترين وعرضها متر تقريبا عُـثر عليها عام في بداية القرن الماضي في منشية الصدر جنوب هليوبوليس، وفيها يتناول النص ثلاث موضوعات، الأول مقدمة تمهيدية عن رمسيس الثاني الذي وجد قطعة ضخمة من الحجر أثناء زيارته لمعبد رع حرختي وباقي معابد هليوبوليس فيعهد بها للعمال المهرة لصنع تمثال له وقد تم العمل بدقة بعد عام ولهذا يتوجه الملك في الجزء الثاني من النص للعمال بالمديح بعد أن كافأهم بالذهب والفضة

مع بداية عصر الدولة الحديثة حدثت نقلة نوعية في بناء المقابر الملكية فلم تعد تبني فوق سطح الأرض، أهرامات كانت أم مصاطب وملحقة ببئر يقود لحجرة الدفن بل بنحت المقبرة بكاملها في جوف هضاب وجبال غرب طيبة، وتطلب ذلك بناء مدينة كاملة لسكن العمال والفنانين هي أقرب لمعسكر العمل يطلق عليها اليوم دير المدينة وسبب التسمية يرجع لوجود معبد من العصر البطلمي استخدم في العصر القبطي المبكر كدير للرهبان
وقد ظلت هذه المدينة المعسكر تقوم بدورها ما يزيد عن أربعة قرون أي من بداية عصر الأسرة الثامنة عشر (1551 ق.م) وحتى نهاية الأسرة العشرين (1080 ق.م) مرت خلال هذه الفترة بمراحل ازدهار ومراحل انحطاط، وتعرض عمالها لمحنة التهجير إلى تل العمارنة أثناء حكم اخناتون، كما أنها شهدت أول إضراب في التاريخ إلى جانب أنها زودتنا بمادة غزيرة عن الحياة اليومية وطريقة تنظيم العمل والتي بلا شك تلقى بعض الضوء عن سير الحياة في المشتركات الأخرى

دير المدينة
كان يطلق على مكان إقامة العمال في غرب طيبة لفظ " با دمي" أي المدينة أما لفظ العمال في المصرية القديمة " رمتش باك" رمتش بشكل عام تشير إلى البشر وهنا بمعنى" أهل " ثم أصبحت "رومى" في القبطية وتشير إلى الرجل، أما باك فهي تشير لفعل العمل وأصبحت في القبطية بوك وكان يطلق على العامل في غرب طيبة لقب عامل في مكان الحق
وقد بُـني أقدم جزء من المدينة في عصر الأسرة الثامنة عشر وأحيط بسور ضخم من الطين ويحمل ختم الملك تحتمس الأول، ومع تزايد حركة الإنشاء في عصر رمسيس الثاني تم توسيع المدينة باتجاه الجنوب لتستوعب المزيد من العمال وحملت التوسعات ختم الملك

المدينة محاطة بسور ضخم من اللبن ولها مدخلين الأول في الجهة الشمالية والثاني في الجهة الغربية، على كل منهما نقطة بوليس لمراقبة حركة الدخول والخروج، يقطعها شارع رئيسي يبدأ من البوابة الشمالية ويمتد للجنوب
على جانبي الشارع حوالي 70 منزل من الطين المطلي بالجير، ولون مدخل البيت باللون الأحمر وكتب على الباب أسم صاحبة ...يضم المنزل من ثلاث إلى خمس غرف على مساحة تتراوح ما بين 60 و70 متر مربع، لكن هناك حالة نادرة وهي المنزل رقم 7 حيث بني على مساحة 120 متر وكان يخص رئيس العمال " قاحا" في عهد رمسيس الثاني


للمنزل باب خشبي يطل على الشارع الرئيسي يفضي لأولى الحجرات وهي حجرة النوم (مبررات وجود حجرة النوم خلف باب المنزل مباشرة غير معروفة) والتي تضم سرير مبني من الطين يعلو الأرض حوالي متر للحماية من الحشرات وهناك عدد من الدرجات تستخدم كسلم للصعود. يلي حجرة النوم حجرة المعيشة وهي أكبر حجرات المنزل يتوسطها عمود لدعم السقف وتضم مصطبة من الطين للجلوس

ثم تليها حجرة صغيرة تستخدم للحيوانات الداجنة ثم حجرة الخبيز والتي تضم فرن وهي غير مسقوفة للتخلص من الدخان ومنها ينطلق سلم يقود إلى السطح الذي كان يستخدم كمكان لتجفيف البلح إلى جانب وظيفته المحببة لدى المصريين وهي قعدة العصاري والسمر في ليالي الصيف الحارة. وللتحايل على ضيق المكان حفر العمال حجرات جانبية في جسد سور المدينة الضخم كانت تستخدم للتخزين


الحياة اليومية
كان للبوليس نقطتي حراسة على مدخلي المدينة الشمالي والغربي يتبادل فيها الحراس العمل في ورديتين كل منها 12 ساعة وكان من مهامهم إلى جانب حفظ الأمن وحماية المدينة وتدوين كل كبيرة وصغيرة كان لهم الحق التدخل لفض المنازعات. ولتأمين الحياة داخل المدينة جٌهزت بوحدة إسعاف، وورش للصيانة إلى جانب جيش آخر من الخدم لتزويد المدينة بالخضراوات والماء والأسماك إلى جانب غسل ملابس العمال
من بردية كتبت في عصر رمسيس الثالث قائمة طويلة ضمت هؤلاء الخدم المعينون من قبل الدولة لتصريف شئون العمال قسموا وفقا لمهامهم: اربعة وعشرون سقاء، اربعة عشر حطاب، اثنى عشر جنايني، ثمانية من الخزافين، وثمانية للقيام بغسل ملابس المفارقة إن في زمن كتابة هذه القائمة لم يكن يزيد عدد الأسر في المدينة عن 40 في حين وصل عدد الخدم إلى ثمانين عنصر، كان أيضاً لكل عامل وأسرته خادم على الأقل نظير أجر معلوم


المهام
بعد دفن الملك السابق يعلن للعمال عن اسم الملك الجديد وعلى التو يبدأ العمل في بناء مقبرته وقد جرت التقاليد أن يستمر العمل في المقبرة طالما الملك على قيد الحياة وهذا ما يبرر تفاوت المقابر من حيث الحجم والطول والعمق وعدد الحجرات وكثافة النصوص، وعند وفاة الملك يبلغ العمال بذلك لإنهاء المقبرة بسرعة في فترة التحنيط وهذا أيضاً ما يبرر عدم اكتمال عدد من المقابر أو ترك أخر جزء فيها بدون تلوين أو تنعيم للجدران، وبعد دفنه تعاد الدورة، وهكذا ظل بناة المقابر الملكية في دير المدينة قرون طويلة على هذا المنوال


تقسيم العمل
كان الشهر مقسم إلى ثلاث وحدات (أسبوع !) كل منها عشرة أيام، منها ثمانية للعمل ويومان للراحة
مع بداية الأسبوع يترك العمال المدينة للعمل ولا يبقى فيها إلا النساء والأطفال والشيوخ وغير القادرين على العمل، والمتغيبين بعذر مقبول وقبل المغادرة يتم إحصاء عددهم وتقسيم العمل وتسليمهم أدوات العمل ثم ينطلقون صوب المقابر الملكية بتسلق جبل بارتفاع 80 متر يفصلهم عنها. وهناك يقيمون في بيوت من الطين بجوار المقابر لمدة ثمانية أيام على أن يعودوا إلى أسرهم في عطلة نهاية الأسبوع ولكي لا يصلوا لبيوتهم في الليل كان العمل في اليوم الثامن يختصر لمنتصف النهار وفي أحيان كثيرة كان يسُـقط من أسبوع العمل بسبب زيادة الغياب


كان العمال يقسمون إلى مجموعتين، واحدة للعمل في الجهة اليسرى للمقبرة ومجموعة للجهة اليمنى، لكل منها قائد لا يتمتع بأي مزايا مادية تنحصر مهمته في ملاحظة العمال. يعاونه مسئول المعدات الذي يقوم بتسليم كل عامل أدواته صباح كل يوم واستعادتها آخر النهار، إلى جانب كاتب يقوم بتدوين عهدة كل فريق من الأدوات وكل صغيرة وكبيرة تحدث أثناء العمل، إلى جانب عمله الجانبي الغير رسمي بتحرير الخطابات وعقود الإيجار للعمال. ويقود العمل ملاحظ أخر يسمى " إمي را إيستي" أي قائد طابوري العمل


الأجور
الاستنزاف المستمر للمشتركات وسمة الاكتفاء الذاتي ساهما بدور كبير في ثبات المشتركات وخمولها وتسبب في تأخر ظهور الأسواق وبالتالي النقود كأداة للتبادل وثبات القيمة الاستعمالية للسلعة وكبح تطور عملية التبادل من المقايضة إلى التبادل السلعي، حتى بعد ظهور الشكل الجنيني للنقود في صورة قطع من الذهب والفضة ظلت محصورة في قياس للقيمة في عملية المقايضة. فقد كان عمال المدينة يحصلون على أجورهم في صورة عينية (في أغلب الأحيان كمية من القمح) يستخدمونها بعد ذلك في المقايضةلم تكن ثمة تفرقة في المقابل العمل بين العمال فقد كان الجميع يتقاضى نفس المقابل حتى ملاحظ العمال


مبررات الغياب عن العمل والعطلات الرسمية
لا شك كان العمل في نحت المقابر شاق ويتم في شروط غير إنسانية بمقاييس منظمة العمل الدولية اليوم لكن في المقابل تمتع العمال بمزايا لا تجرؤ أي نقابة بالمطالبة بها وبشكل خاص فيما يتصل بمبررات الغياب عن العمل
فمن حق العامل التغيب عن العمل بشرط تقديم العذر المناسب وكانت هذه الأعذار التي وصلتنا من واقع التقارير الرسمية فضفاضة ومرنة مثل مرض العامل أو أحد أفراد أسرته، المساعدة في إعداد البيرة احتفالا بالأعياد أو زواج الأبناء، كما كان السكر مبرر للغياب عن العمل، ميلاد طفل جديد في العائلة، وفاة أحد الأقارب، زواج الأبناء، القيام ببعض الإصلاحات المنزلية أو مساعدة أحد أفراد الأسرة أو الجيران في أعمال المنزل، زيارة المعبد لتقديم القربان، زيارة الوالدين كذلك كان تغيب العامل والمكوث بجانب زوجته أو أبنته التي تمر بالدورة الشهرية عذراً مقبولاً وكان كاتب الأنفار يدون أسماء العمال الحاضرين في الحضور والانصراف، إلى جانب كشف بأسماء المتغيبين وسبب الغياب، ومن هذه القوائم نقرأ ما دون في عصر الأسرة التاسعة عشر
في العام الثالث، الشهر الرابع من شهر التحاريق، اليوم السابع والعشرون
ملاحظ العمال نفر حتب: مريض
نب ن نفر أبن واد مس: مريض
نب نفر أبن ناخي: مريض
إمن أبن إبرت: ذهب للمساعدة في تحضير البيرة في معبد حتحور وقد استمر غياب هذا العامل عدة أيام لكونه عاد من المعبد في حالة سكر شديد
رع حتب: مريض
نب نفر: مريض
نب نفر (آخر): مريض
رع حتب: مريض
أبن داو: ذهب لتقديم قربانً للربة حنوت محت
إمن حتب: شرحه
الرسام نفر حتب: يحتفل بعيد ميلادة


أما العطلات الرسمية فهي دينية في الأساس بلغ عددها حوالي 25 عيداً وبلغ عدد أيام العطلات حوالي 42 يوم فلم يخلو شهر واحد من أحد الأعياد الرسمية والتي تستمر من يوم إلى ثلاث أيام


نساء المدينة
لم يختلف وضع المرأة في مدينة العمال عما هو سائد في المشتركات القروية فقد كان الدور الاكبر لها في رعاية الأسرة إلى جانب مشاركة الرجل العمل سواء في الحقل أو في ورش العمل اليدوي فلم يقتصر العمل في مقابر ومعابد طيبة على الرجال فقد شاركت النساء الرجال العمل فمن شقفة تضم قائمة بأسماء العمال تعود لعصر رمسيس السادس نجدها تضم ستة عشر عاملاً وستة وأربعين عاملة
يبقى سؤال حول نوعية العمل الذي قمن به، يعتقد أنه كان محصوراً في نقل بقايا الحجر والتراب الناتجة عن الحفر والبناء إلى جانب إعداد الطعام، لكننا لا نستبعد أن سبب أخذ هذا الكم من النساء إلى مكان العمل هو الخوف عليهن حيث تنامت هجمات البدو على المنطقة وتراخت رقابة الدولة وتراجع دورها في التنظيم


شكاوى العامل الفصيح
وصلنا عدد من شكاوي العمال ينتقدون فيها المعاملة السيئة التي يلاقونها من رؤسائهم، بعضها مختصراً دون على شقفة حجرية والآخر مطول على ورق البردي وأمامنا مثالين من عصر الأسرة التاسعة عشر، الأول خطاب مرسل من الرسام " با رع حتب" لرؤسائه يحتج فيها على سوء المعاملة، النص نشره " تشرني" تحت رقم 303 في كتالوج شقفات من دير المدينة، الجزء الرابع
حدث أنه في عصر سيتي الثاني أن مات " نفر حتب" رئيس العمال ولم يكن له أبن يرث مكانه وحاول أخوه" أمون نخت" شغل الوظيفة ورغم أن العرف كان يسمح بذلك لكن تدخل أحد العمال يدعى " با نب" وسلب حق" أمون نخت" في الوظيفة برشوة عمدة المدينة. وبعد أن عين رئيساً للعمال أظهر نشاطا وحزما في العمل لكنه في نفس الوقت كان مثالا للمجون والقسوة فقد كان يتحرش بنساء المدينة ويبالغ في العنف ضد زملائه. فقرر " أمون نخت" صياغة شكواه وتقديمها لعمدة المدينة وفيها قائمة طويلة بجرائم " با نب"
وبعد وفاة الملك سيتي الثاني تم عزل " با نب" وأعيد " أمون نخت " لمنصبة والبردية تحمل اسم " بردية هنري سالت" نسبة إلى مالكها الأول وهي محفوظة حالياً في المتحف البريطاني تحت رقم 10055القصة التي يرويها " أمون نخت" تبدو في بعض مواضعها وكأنها صراع عائلي على إرث الوظيفة إذ ربما كان با نب أبناً لـ " نفر حتب " بالتبني
فقد لجأ بعض العمال الذين لا وريث لهم للتبني كي تستمر إقامة العائلة في دير المدينة


وقائع أول إضراب في التاريخ
وقع هذا الإضراب في العام الثلاثين من حكم رمسيس الثالث ثاني ملوك الأسرة العشرين والذي حكم مصر من عام 1187 إلى عام 1156 قبل الميلاد أي قبل وفاته بزمن قصير. لم تكن الأحوال آنذاك بعيدة عما يحدث في مصر اليوم، فقد وهنت الدولة، وزاد التدخل الأجنبي، ونهبت المخازن من قبل حكام الأقاليم، ووقفت الحكومة عاجزة عن حماية حدود البلاد من هجمات قطاع الطرق من بدو ليبيا، وفي ظل هذه الأجواء نهبت مستحقات العمال من مخازن الدولة وتعرضوا للجوع،وأرسلوا الرسائل تلو الرسائل يشكون الفقر والجوع، ولم يكن أمامهم سوى التوقف عن العمل والتظاهر، كان هذا الإضراب بمثابة المشهد الأخير فبل انهيار حكم الرعامسة ونهاية الحكم الفرعوني التقليدي وتمزق البلاد ثم وقوعها فريسة الاحتلال الأجنبي.. الطريف أن العمال خرجوا بزوجاتهم وأولادهم وقد تكرر هذا المشهد في اضراب المحلة الأخير


وصلتنا وقائع هذا الإضراب من وثيقة حكومية مدونة على ورقة بردي طولها 91 سنتيمتر (محفوظة بمتحف تورين، شمال إيطاليا) دونها الكاتب " نفر حتب " المسئول عن متابعة تسليم مستحقات العمال في شكل تقرير رفعة للوزير " تا" في طيبة، جاء فيه أن مستحقات العمال التي كانت تصرف من مخازن الغلال قد توقفت، وأنهم أي العمال في بؤس شديد وعلى حافة الموت جوعاً
ثم يعود الكاتب نفر حتب للكتابة مرة أخرى للوزير يخبره أن العمال تزمروا من عدم صرف أجورهم وأن الكاتب امون نخت قد تقدم بشكوى للمسئولين في معبد حور محب بتأخر وصول مستحقات العمال لأكثر من 23 يوم، ويرسل العمدة جزء يسير من القمح لكن لم يكفي لوقف تزمر العمال، فتركوا مكان العمل وتجمعوا أمام معبد تحتمس الثالث وتظاهروا احتجاجا، وخرج لهم مسئولي المعبد ووعدوهم بحل المشكلة وعاد العمال لبيوتهم


وفي اليوم التالي لم يستلموا شيئاً فتركوا العمل ثانية وتجمعوا أمام معبد رمسيس الثاني وتظاهروا من جديد، ومع توتر الأمر، ذهب رئيس البوليس هناك لمقابلة عمدة طيبة في البر الشرقي لطلب المساعدة، ويعده العمدة بالمساعدة، وبالفعل بعد عدة أيام استطاع عمدة المدينة تدبير حصة من القمح لكل عامل وبعد أن نفذت تذمر العمال مرة أخرى
وهنا وقع ما هو غير متوقع، إذ انضم رئيس البوليس لجموع العمال قائلا لهم: أقول لكم رأي، خذوا أدوات العمل، أغلقوا منازلكم، وأجمعوا نسائكم وأطفالكم، وأنا نفسي سأتقدمكم وسنذهب للاعتصام أمام معبد سيتي الأول، وبعد هذه التظاهرة استلموا حصة من الطعام وساد هدوء نسبي لم يدم طويلاً، فقد اضرب العمال مرة أخرى واعتصموا جالسين على الأرض أمام المقابر الملكية، ويقوم أحد العمال يدعي" مس عا نخت " ويتطاول بالكلام على الملك فيتعرض للعقاب بالضرب من الإدارة لتطاوله على الذات الملكية، ثم يتسع الإضراب وتزداد المطالب التي تعدت حصة الطعام، بل تناولت الشرور التي تحدث في غرب طيبة، مع الأسف لم يفصح كاتب البردية بالمزيد حول هذه الشرور


وتتطور الأمور بحضور الوزير بنفسه. وبعد ايام يتسلم كل عامل كيسين من القمح وعندما حاولوا رغم ذلك مواصلة التظاهر بتحريض من أحد العمال يعى " خونسو" تصدى لهم أحد الكتبة، ومنعهم من الوصول للنهر. وبعد فترة هدوء نسبية قام العمال بالإضراب مرة اخرى وتظاهروا هاتفين: نحن جوعى، نحن الجالسين خلف معبد مر ن بتاح، ونادوا على العمدة فأرسل لهم خمسون كيس من القمح من عهدته حتى ينظر الملك في أمرهم، وفيما بعد أعيد تنظيم توصيل مستحقات العمال ولكن بعد ذلك بعام تجدد الإضراب، ثم مرة أخرى في عهد رمسيس الرابع، وبعد مرور خمسين عام على الإضراب الأول تجدد مرة أخرى لكن هذه المرة كان أكثر عنفا ضد المسئولين

Montag, 31. Dezember 2007

نمط الإنتاج النهري



النهر هو المفتاح الصحيح لفهم طبيعة التركيبة الطبقية التي سادت مصر بداية من عصر ما قبل الأسرات أي من أربعة ألاف سنة قبل الميلاد إلى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي


نهر يمتد في الصحراء بطول ألف كيلو متر تقريبا، يفيض مرة واحدة في السنة حاملاً معه طبقة خصبة من الغرين تزيد خصوبة الشريط الزراعي على جانبيه، استلزم ذلك ميلاد شكل مركزي للسيطرة على الفيضان والقيام بما نسميه في الأدبيات الزراعية " الأشغال العامة" من شق الترع والمصارف وتنقيتها وبناء السدود والجسور .... إلخ وليس غريبا أن تكون مصر من أولى بلاد العالم التي كونت وحدتها السياسية قبل فجر التاريخ في حين أن ألمانيا مثلا أو إيطاليا لم يحققا الوحدة إلا مع بدايات الثورة الصناعية

وهذا الشكل أو النمط ليس خاص بمصر فقط بل نما في أغلب البلاد النهرية مثل الهند والصين وهو ما جاء في الأدبيات الماركسية الكلاسيكية تحت مصطلح " نمط الإنتاج الشرقي " لكني أفضل مصطلح النهري بما أن النهر هو مفتاح الفهم لهذا النمط
في هذا النمط تمتلك الدولة الممثلة في رأس الحكم غالبا الملك كل أرض البلاد يعيد توزيعها كل فترة من الزمن في شكل مقاطعات يحكمها الأمراء وممثلي الملك من حكام الأقاليم وبشكل مواز استلزم بناء مؤسسة كهنوتية حازمة ومركزية أيضاً يكون فيها رأس السلطة هو الكاهن الأول وأبن الإله وينوب عنه الكاهن الأول في المعبد لقيادة الصلوات وخدمة المعبداليوم يسمى هذا الشكل بـ " نمط الإنتاج الأسيوي "، وهو على خلاف أنماط الإنتاج التي ظهرت في أوروبا قبل ظهور الرأسمالية لم يكن الفلاح في مصر عبدا لسيده ولا للأرض كما في المجتمع العبودي والإقطاعي بل كان الفلاح حر في ظل العبودية المعممة

مشكلة هذا النمط أنه يعيد إنتاج نفسه بعد كل انتكاسة بدون إحداث أي تركم لتنمية البلاد، فقد كان يجلس على قمة الهرم الاجتماعي في مصر القديمة الملك ابن إله الشمس رع الجالس على عرش حورس وكان جسد الهرم عبارة عن شبكة معقدة من الموظفين والكهنة والكتبة تمثل العمود الفقري لجهاز الدولة وفي قاعدة الهرم مئات من المشتركات القروية المنفصلة عن بعضها تنتشر في الدلتا وفي الصعيد، وهي وحدات مؤسسة على الاكتفاء الذاتي بالجمع بين فلاحة الأرض والرعي والصيد والعمل الحرفي اليدوي، ذات مسحة خفيفة من التمايز الاجتماعي كانت هذه المشتركات القروية الأساس الاقتصادي لنمط الإنتاج السائد في مصر القديمة فمن هذه الوحدات الإنتاجية تحصل الدولة على الفائض من الإنتاج في صورة ضريبة سنوية تستنزف بشكل كامل في سد نفقات الدولة من البلاط إلى تجمعات العمال في المقابر الملكية مروراً بجنود الجيش والجهاز البيروقراطي الضخم وكهنة المعابدوتقسيم العمل داخل المشترك هو الذي أفرز بالسليقة المكانة التي حصلت عليها المرأة في مصر الفرعونيةفللجميع مكان في منظومة العمل وبالتالي حق من الإنتاج وبالتالي الحقوق المدنية على عكس المجتمعات البدوية بالطبع وقد تم قولبة وهيكلة جميع أجهزة الدولة مثل الجيش والشرطة وطوائف العمال والمعابد والجهاز البيروقراطي وفقا لهذا النموذج وتقوم الدولة المركزية " المشترك الأعلى " بمهمة التنسيق بين كل هذه المشتركات وحمايتها وتنظيم الري وتنظيم توزيع الفائض. تمتع أفراد المشتركات القروية بهامش معقول من الحريات الشخصية الدينية والاجتماعية والملكية الخاصة، لكن المشتركات نفسها كانت في حالة تبعية مطلقة للمشترك الأعلى أي الدولة (العبودية المعممة) والتي تمثلت إلى جانب دفع الضريبة في مد الدولة المركزية بالجنود وبالعمالة اللازمة لمشروعات الري والعمل في المناجم وبناء المعابد والمقابر
وبعد أن كان الفائض يستخدم في بناء المقابر والمعابد اصبح بعد انهيار الدولتين الفرعونية والبطلمية ينزح للخارج تحت الحكم الروماني ثم البيزنطي فيما بعد
وقد حافظ كل الغزاة على هذا النمط بوصفة الأفضل لتحقيق أكبر قدر من الفائض وقد حافظ العرب سواء أثناء الحكم الأموي أو العباسي أو الفاطمي أو الأيوبي أو المملوكي وأخيرا تحت الحكم التركيهذا الشكل العام للمجتمعولأهمية جهاز الدولة البيروقراطي في ضبط الأمور ومراقبة الأوضاع وتنظيم العمل ودوره في التنسيق بين المشتركات أولت الدولة عناية كبيرة بهذا الجهاز والذي ضم الآلاف منهم في تراتب هرمي ولعب توريث المهنة داخل الأسرة الواحدة دور في صمود هذا الجهاز طيلة هذه الأعوام الغابرة ومما حال دون إحداث حراك رأسي في المجتمع فهناك أسر ظلت تعمل أجيالها في الهيكل الوظيفي والكهنوتي مئات السنين فصارت لهم أخلقيات يتوارثها الأبناء عن الأباء وهكذا لذا فلا عجب أن أغلب التراث المكتوب الذي وصلنا كتب بأقلام هؤلاء الكتبة من الموظفين والتي تدور حول مهنة الكاتب والموظف والأخلاقيات التي عليه التحلي بها اي أنها تعكس فقط رؤيتهم لشريحتهم الاجتماعية من جهه وكذلك رؤيتهم للشكل والكيفية التي يجب أن تكون عليها الرعية من جهه أخرى

أما ما كان يحدث في المشتركات فمعلوماتنا ضئيلة جدا، مع إستثناء واحد وهو ما حدث في مدينة العمال في دير المدينة حيث وجد وبالصدفة كم من النقوش دونت من قبل الموظفين لكن بتكليف من العمال نظير أجر وشملت على العديد من عقود الزواج وعقود عمل للخادمات وحقوقهن وكذلك تفاصيل كل كبيرة وصغيرة في المدينة التي دونت من قبل الشرطة هناك، لكن وفي العموم مجتمعات العمال والفنانيين في مناطق البناء والتشييد كانت تجمعات ذات وضع خاصوالقليل من العناصر الأدبية الاخرى والتي وصلتنا أيضا عن طريق هؤلاء الكتبة كانت في الأصل تدريبات على الكتابة وأهملت ووصلتنا بمحض الصدفة
حتى الأخبار التي وصلتنا عن التجمعات العمالية في مناطق تل العمارنة في المنيا ودير المدينة في غرب طيبة، جميعها كتبت بأيدي هولاء الموظفين بوصفها تقارير ترفع للوزير الأول والملك، أي أن هذا التراث الذي بين أيدينا من أكبر معبد لاصغر بردية هو تعبير عن طبقة الحكام في مصر القديمة ولا شأن لغالبية الشعب المصري من الفلاحيين والحرفيين بهذا التراث
ومما يزيد الالم هو ما وصلنا من العصر القبطي حيث غلبت عليه سير رجال الكنيسة ومعجزاتهم إلى جانب تاريخ أباء الكنيسة حيث كان القلة من قساوسة الدير هم من يملكون حق التدوين، لكن تفاصيل الشارع المصري في المدينة وفي
المشتركات غائب تماما